کد مطلب:286784 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:248

فی حکایة جملة من فتاوی العلماء فی من أنکر المهدی المنتظر
ونقتصر فی هذا الباب علی ما وقفنا علیه علی العُجالة، فعسی الله أن یردع بذلك من صَبا إلی القول بإنكاره من أهل الجهالة والضلالة، ویكون بلاغاً ناهیاً للزائغین، إنّه الهادی إلی سبیله.

فنقول:

اعلم ـ رحمك الله ـ أنّه لا ریب فی أنّ أحادیث خروج المهدیّ علیه الصلاة والسلام متواترة، بإجماع من یعتدّ به من أهل العلم وأئمّة الحدیث، فإنكار هذا الاَمر المتواتر جرأة عظیمة فی مقابل النصوص المستفیضة المشهورة البالغة إلی حـدّ التـواتر، كـما قـال القنوجی فـی الاِذاعة [1] .

وقد سُئل شیخ الاِسلام شهاب الدین أحمد بن حجر المكّیّ الشافعیّ عمّن أنكر المهدی الموعود به؛ فأجاب: أنّ ذلك إنْ كان لاِنكار السُنّة رأساً فهو كفر یُقضی علی قائله بسبب كفره وردّته فیقتل.

وإن لم یكن لاِنكار السُنّة وإنّما هو محض عناد لاَئمّة الاِسلام فهو



[ صفحه 23]



یقتضی التعزیر البلیغ والاِهانة بما یراه الحاكم لائقاً بعظیم هذه الجریمة، وقبح هذه الطریقة، وفساد هذه العقیدة، من حبس وضرب وصَفْعٍ وغیرها من الزواجر عن هذه القبائح، ویرجعه إلی الحقّ راغماً علی أنفه، ویردّه إلی اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن كفره. انتهی.

وقد ذكر المتّقی الهندیّ فی أواخر كتابه البرهان [2] هذه الفتوی بعین ألفاظها، وأوردها المفتی ابن حجر مختصرةً فی الفتاوی الحدیثیة [3] له.

وكذلك أفتی الشیخ العلاّمة یحیی بن محمّـد الحنبلیّ بكفر من أنكر المهدیّ علیه السلام فقال: وأمّا من كذّب بالمهدیّ الموعود به فقد أخبر علیه الصلاة والسلام بكفره [4] .

وقد وقفت علی فتویً لشیخ الاِسـلام محمّـد بهاء الدین العاملی رحمه الله تعالی فی هذه المسألة، قال ـ فی جواب من سأله عن خروج المهدیّ بقول مطلق، هل هو من ضروریّات الدین فمنكره مرتدّ، أم لیس من ضروریّاته، لِما یُحكی من خلاف بعض المخالفین فیه، وأنّ الذی یخرج إنّما هو عیسی علیه السلام، وهل یكون خلافهم مانعاً من ضروریّته؟ ـ:

الاَظـهر أنّه مـن ضـروریّات الـدین، لاَنّه مـمّا انـعقد علـیه إجـماع المسلمین، ولـم یخـالف فیـه إلاّ شـرذمة شـاذّة لا یـعبأ بهم، لا یعتمد علیهم ولا بخـلافهم، ولا یقدح خروج أمثال هـؤلاء من ربـقة الاِجماع فی حجّیّته، فلا مجال للتوقّف فی كفرهم إن لم تكن لهم شبهة محتملة. إنتهی.



[ صفحه 24]



قلت:

إكفار المنكِر عند الفریقین یدور علی أحد أمرین:

أوّلهما: ما أشار إلیه شیخ الاِسلام ابن حجر فی الفتاوی الحدیثیّة وهو ما أخرجه أبو بكر الاِسكاف فی فوائد الاَخبار عن محمّـد بن المنكدر، عن جابر بن عبـد الله الاَنصاری رضی الله عنه، عنه، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من كذّب بالدجّال فقد كفر، ومن كذّب بالمهدیّ فقد كفر [5] .

قال ابن حجر فی القول المختصر ـ كما فی البرهان ـ: أی حقیقةً، كما هو المتبادر من اللفظ، لكن إن كان تكذیبه من السُنّة، أو لاستهتاره بها، أو للرغبة عنها، فقد قال أئمّتنا وغیرهم: لو قیل لاِنسانٍ قصَّ أظفارك فإنّه من السُنّة، فقال: لا أفعله وإن كان سُنّة رغبةً عنها فقد كفر، فكذا یقال بمثله [6] .

قلت:

حدیث جابر أخرجه أبو القاسم السهیلی فی شرح السیرة له.

وأبو بكر ابن أبی خیثمة فی جمعه للاَحادیث الواردة فی المهدیّ.

والحافظ السیوطیّ الشافعیّ فی العَرف الوردی [7] .



[ صفحه 25]



وشیخ الاِسلام إبراهیم بن محمّد الجوینیّ الشافعیّ فی فرائد السمطین [8] .

والحافظ القندوزیّ الحنفیّ فی ینابیع المودّة [9] .

واعتمده بعض أهل العلم كابن حجر الشافعیّ، ویحیی بن محمّـد الحنبلیّ وأفتیا بمدلوله، كما مرّ آنفاً.

وكذا الشیخ العلاّمة محمّد بن أحمد السفارینیّ الحنبلیّ فی لوائح الاَنوار البهیّة [10] فإنّه قال: قد روی الاِمام الحافظ ابن الاِسكافی بسندٍ مرضیّ إلی جابر بن عبـد الله رضی الله عنه إلی آخره، وأورده البرزنجیّ الشافعیّ فی الاِشاعة [11] .

فظهر بذلك ما فی دعوی بعضهم من الحكم بوضع الحدیث ورمی ابن الاِسكافی به، والله المستعان.

وثانیهما: إجماع أهل الاِسلام قاطبة، واتّفاقهم علی مرّ الاَعصار والاَعوام علی خروج المهدیّ المنتظر علیه الصلاة والسلام، حتّی عُدّ ذلك من ضروریّات الدین ـ كما صرّح به شیخ الاِسلام البهائی؛ ـ وهو اتّفاق قطعیّ مـنهم، لا یشـوبه شـكّ ولا یـعتریه ریـب، اللّهمّ إلاّ مـن شـذّ، ممّن لا یُعتدّ بخلافه، ولایلتفت إلیه، ولا تكون مخالفته قادحة فی حجّیّة



[ صفحه 26]



الاِجماع، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، مضافاً إلی تواتر أحادیث المهدیّ علیه الصلاة والسلام تواتراً قطعیّاً.

وظاهر أنّ من أنكر المتواتر من أُمور الشرع والغیب بعد ما ـ ثبت عنده ثبوتاً یقینیّاً ـ فإنّه كافر، لردّه ما قطع بصـدوره وتحقّق ثبوته عـنه صلی الله علیه وآله وسلم، ولا شبهة فی كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمین، لاَنّ الرادّ علیه صلی الله علیه وآله وسلم كالرادّ علی الله تعالی، والرادّ علی الله كافر باتّفاق أهل الملّة، وإجماع أهل القبلة.

ودعوی التواتر صحیحة ثابتة كما صرّح بذلك جمهور أهل العلم من الفریقین، ولا نعلم رادّاً لها إلاّ بعض مَن امتطی مطیّة الجهل، واتّخذ إلهه هواه، وكابر الحقّ، فكان حقیقاً بالاِعراض عنه.

ونحن نقتصر فی هذا المختصر علی نقل كلام جماعة من محقّقی العلماء فی تحقّق التواتر لتتبیّن لك جلیّة الحال.

قال الشیخ أبو الحسین الآبری فی كتاب مناقب الشافعیّ: قد تواترت الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بذكر المهدیّ، وأنّه من أهل بیته، وأنّه یملك سبع سنین، وأنّه یملاَ الاَرض عدلاً، وأنّ عیسی یخرج فیساعده علی قتل الدجّال، وأنّه یؤمّ هذه الاَُمّة ویصلّی عیسی بن مریم خلفه. [12] انتهی.

وفی بعض فتاوی شیخ الاِسلام ابن حجر المكّی، أنّ الاَحادیث فی ذلك مستفیضة متواترة.



[ صفحه 27]



وقال فی الصواعق: الاَحادیث التی جاء فیها ذكر ظهور المهدیّ كثیرة متواترة.

وقال الشیخ العلاّمة محمّـد بن أحمد السفارینی الحنبلیّ فی اللوائح [13] : الصواب الذی علیه أهل الحقّ أن المهدیّ غیر عیسی، وأنّه یخرج قبل نزول عیسی علیه السلام.

قال: وقد كثرت بخروجه الروایات حتّی بلغت حدّ التواتر المعنویّ، فلا معنی لاِنكارها [14] .

ومثله فی شرح الشرقاوی علی ورد البكری كما فی مشارق الاَنوار للحمزاوی [15] .

وقال قاضی القضاة أبو عبـد الله محمّـد بن علی الشوكانیّ فی كتابه التوضیح فی تواتر ما جاء فی المهدیّ المنتظر والدجّال والمسیح: الاَحادیث الواردة فی المهدیّ التی أمكن الوقوف علیها منها خمسون حدیثاً فیها الصحیح والحسن والضعیف والمنجبر.

قال: وهی متواترة بلا شكّ ولا شبهة، بل یصدق وصف التواتر علی ما هو دونها علی جمیع الاصطلاحات المحرّرة فی الاَُصول.

قال: وأمّا الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدیّ فهی كثیرة أیضاً، لها



[ صفحه 28]



حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد فی مثل ذلك [16] .

وقال السویدیّ البغدادیّ فی كتابه سبائك الذهب: الذی اتّفق علیه العلماء أنّ المهدیّ هو القائم فی آخر الوقت، وأنّه یملاَ الاَرض عدلاً، والاَحادیث فی ظهوره كثیرة [17] .

وقال الشیخ أبو عبـد الله جعفر بن محمّـد الاِدریسی الحسنی الكتّانی فی كتابه نظم المتناثر من الحدیث المتواتر [18] : قد نقل غیر واحد عن الحافظ السخاوی أنّها متواترة ـ یعنی أحادیث المهدیّ علیه السلام ـ، والسخاوی ذكر ذلك فی فتح المغیث.

قال: وفی تألیفٍ لاَبی العلاء إدریس بن محمّـد بن إدریس الحسنیّ العراقیّ فی المهدیّ هذا، أنّ أحادیثه متواترة أو كادت، وجزم بالاَوّل غیر واحدٍ من الحفّاظ النقّاد.

وبالجملة: فإنكار المهدیّ وإنكار خروجه أمر عظیم لا ینبغی التفوّه به، بل ربّما أفضی بصاحبه إلی الكفر والخـروج عن الملّة والعیاذ بالله تعالی.

وقال الشیخ عبـد العزیز بن عبـد الله بن باز، شیخ علماء نجد والحجاز فی هذا العصر، ومعتمدهم فی علوم الشرع المطهّر: أمّا من أنكر ذلك ـ یعنی نزول عیسی وخروج الدجّال والمهدیّ ـ وزعم أنّ نزول المسیح بن مریم ووجود المهدیّ إشارة إلی ظهور الخیر، وأنّ وجود



[ صفحه 29]



الدجّال ویأجوج ومأجوج وما أشبه ذلك إشارة إلی ظهور الشرّ، فهذه أقوال فاسدة، بل باطلة فی الحقیقة، لا ینبغی أن تذكر، فأهلها قد حادوا عن الصواب، وقالوا أمراً منكراً وأمراً خطیراً لا وجه له فی الشرع، ولا وجه له فی الاَثر ولا فی النظر.

قال: والواجب تلقّی ما قاله الرسول صلی الله علیه وآله وسلم بالقبول، والاِیمان التامّ به والتسلیم، فمتی صحّ الخبر عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلا یجوز لاَحدٍ أن یعارضه برأیه واجتهاده، بل یجب التسلیم كما قال الله عزّوجلّ: (فلا وربّك لا یؤمنون حتّی یحكّموك فیما شجر بینهم ثمّ لا یجدوا فی أنفسهم حَرَجَاً ممّا قضیت ویسلّموا تسلیماً) [19] وقد أخبر صلی الله علیه وآله وسلم بهذا الاَمـر عن الدجّال، وعن المهـدیّ، وعـن عیسـی بن مریم، ووجـب تلقّی ما قاله بالقبول والاِیمان بذلك، والحذر من تحكیم الرأی والتقلید الاَعمی الذی یضرّ صاحبه ولا ینفعه لا فی الدنیا ولا فی الآخرة [20] .

ولا یسع المقام لاستقصاء كلام الاَئمّة والعلماء فی تواتر أحادیث المهدیّ المنتظر علیه الصلاة والسلام، والتحـذیر مـن إنكـار شأنه، لكن فی ما حكینا لك مقنع وكفایة إن شاء الله تعالی، والله الهادی إلی سواء السبیل.


[1] راجع: الاِذاعة لما كان وما يكون ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 104 ـ: 146.

[2] البرهان: 178 ـ 179.

[3] الفتاوي الحديثية: 37.

[4] البرهان: 182.

[5] الفتاوي الحديثيّة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 432 ـ: 37، الاِشاعة في إشراط الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمـام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 505 ـ 112.

[6] البرهان: 170 ـ 171.

[7] العرف الوردي في أخبار المهدي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 392 ـ 487.

[8] فرائد السمطين 2: 334 ح 585.

[9] ينابيع المودّة 3: 295 ح 1 وص 383 ح 1، وفيه «أنكر» بدل «كذّب»، الحاوي للفتاوي، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 392.

[10] انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الالهية المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 21.

[11] الاِشاعة في إشراط الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 1: 505 ـ 112.

[12] انظر: العطر الوردي ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2: 118 ـ 45.

[13] انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الاِلهيّة، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2 :20.

[14] انظر: لوائح الاَنوار البهيّة وسواطع الاَسرار الاِلهيّة، المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2 :20.

[15] انظر: مشارق الاَنوار ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عيله السلام عند أهل السُنّة 2 :62 ـ 115.

[16] راجع: الاِذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2 :71 ـ 72 ـ: 113 ـ 114.

[17] سبائك الذهب: 78.

[18] انظر: نظـم المتناثر مـن الحـديث المتواتر ـ المطبوع ضمن موسوعة الاِمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنّة 2 :194 ـ 144 ـ 145.

[19] سورة النساء 4: 65.

[20] مجلّة الجامعة الإسلامية ـ المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السُنة 2: 435 ـ، العدد الثالث من السنة الأولي، ذو العقدة 1388هـ.